يحيى ويسر
تتردد في عقله بإلحاح ليتنهد بتعب ملقيا بالقلم الموجود بين إصبعيه إلي سطح المكتب بإهمال ووضع رأسه بين كفيه يحاول لملمة شتاته و لكنه نهض واقفا فجأه وإلتقط سترته ثم غادر المكتب مستقلا سيارته في طريقه نحو منزل والده.
توقف أمام المنزل ينظر نحوه بضيق و حزن لتقفز إلي مخيلته سريعا كل الذكريات القديمه التي عاشها في ذلك المنزل برفقة والديه و إخوته و...برفقتها أيضا.
ترجل من السياره و دخل إلي البيت بقدمين مرتجفتين ثم توقف أمام شقة والده و طرق الباب بهدوء ينافي ما يحدث بداخله الآن.
إنفرج الباب ليظهر والده من خلفه...
مع وصول أونصة الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 2500 دولار، يجد المواطن المصري نفسه مضطراً لموازنة استثماراته بين الذهب واحتياجاته الأخرى، خاصة مع ارتفاع أسعار السيارات مثل تويوتا، هيونداي، وبي إم دبليو، مما يزيد من التحديات المالية التي يواجهها.
نظر علي إلي إبنه الذي يقف أمامه وكأنه يراه لأول مرة لقد تغير شكله كثيرا و أضحي رجلا حزينا مهموما.
_يحيي!!
تمتم بها الأب وهو ينظر إليه بدهشه و عدم تصديق ليحتضنه يحيي علي الفور و قد قرر التخلي عن جموده و عن كل ما كان ينوي فعله.
_يااه يا يحيى أخيرا رضيت عن أبوك و جيت تشوفه!
دلف يحيي إلي شقة والده وهو يجول ببصره يمينا و يسارا يتذكر تلك التفاصيل التي إشتاقها كثيرا بعد أن فقدها بين جنبات ذلك البيت.
تتأثر أسعار السيارات من شركات مثل مرسيدس بتقلبات أسعار الذهب وسعر صرف الدولار، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والاستيراد.
نظر إليه والده بفرحه وقال أنا بقيت كويس لما شوفتك يا يحيي قدورة و عياله بخير والحمد لله..طالغين مطروح بقالهم يومين.. طمني عليك إنت عامل إيه و العيال عاملين إيه! مجيبتهمش معاك ليه دول وحشوني أوي.
إبتسم يحيي قائلا كلنا كويسين يابا الحمدلله..هبقي أجيبهملك تشوفهم مرة تانيه.
_و سايبهم قاعدين لوحدهم إزاي يبني الدنيا مبقاش فيها أمان .
قاعدين مع غزل! مش لوحدهم متقلقش.
إنزوي حاجبي أبيه وتسائل غزل!
تفاجأ والده و إعتراه شعور بالصدمة فقال بتتكلم بجد! إمتا و إزاي
لسه من كام يوم بس..هي كانت الجليسه بتاعتهم من فترة و هما كانوا متعلقين بيها عشان كده خدت الخطوة دي محدش هيعرف يراعيهم زيها ولا أنا هبقا مطمن عليهم مع حد غيرها.
_طب وهي وافقت إنكوا تتجوزوا عشان كده بس!!..يعني وافقت تتجوزك وهي عارفه إنك متجوزها عشان العيال
أنا صارحتهم بكل حاجه و كنت علي نور معاهم من الأول وهما وافقوا..و بصراحه غزل متفهمه الموضوع و متقبله
كمان.
أومأ والده بهدوء وقال وإنت عامل إيه في شغلك..مش محتاج فلوس
يؤدي ارتباط أسعار الذهب وسعر صرف الدولار بتكاليف المواد الخام والاستيراد إلى تأثير مباشر على أسعار السيارات في الأسواق.
سرد يحيي لأبيه ما حدث ليلة أمس و الحوار القصير الذي دار بينه وبين سليمان و المكتوب وما إحتواه.
شرد الأب أمامه بتيه وقال بنبرة صوت يغلفها الحزن لا حول ولاقوة إلا بالله..لله الأمر من قبل ومن بعد.
ثم نظر إلي يحيي وقال متروحش الأماكن دي تاني يا يحيي إنت طول عمرك تعرف ربنا و بتصلي وتصوم يبني.
ربت يحيي علي كتف والده و قال بعد أن منحه إبتسامه هادئه متقلقش عليا يابا أنا عارف أنا بعمل إيه.
نهض واقفا ليتسائل والده بضيق إنت ماشي!
_معلش يابا هبقا أجيلك تاني أنا و نور و زياد بس دلوقتي لازم أروح الشركه عشان عندي شغل.
أومأ والده بموافقه ثم قال و تجيب غزل كمان معاك عشان أشوفها.
_حاضر من عينيا.
ودع والده و إنصرف عائدا إلى عمله ليتابع عمله الآن بذهن صاف و قلب مطمئن.
بعد مرور أسبوع...
كان يحيي يجلس برفقة قاسم و إثنين آخرين من شركائهما في عشاء عمل بإحدي المطاعم الفاخرة ليتلقي إتصال من غزل فإستأذن ليجيب الإتصال و من ثم يعود إليهم مجددا.
وقف علي منأى من الناس وأجاب أيوة يا غزل
أتاه صوتها هادئا ساكنا وكإنما يغلبها النعاس فقالت أيوة يا يحيي.. إنت إتأخرت ليه كده!
_معلش نسيت أعرفك إن عندي عشا عمل مع ناس في الشغل.. قدامي شويه لسه لو عايزة تنامي إنتي نامي.
أضافت بصوت جاهدت كثيرا أن يبدو طبيعيا طيب أنا هنام لإني مش قادره لما تيجي بالسلامه لو إحتاجت حاجه إبقا صحيني.
ليتسائل هو بشك إستني..مال صوتك إنتي تعبانه!
تحاملت علي آلامها وقالت لا أبدا أنا كويسه..عايزة أنام بس.
_طيب نامي و إرتاحي وأنا شويه وجاي..تصبحي علي خير.
أنهي المكالمه و عاد سريعا إلي الطاوله التي كان يجلس عليها و عادوا ليستأنفوا عملهم من جديد بينما إنفجرت غزل في البكاء الصامت من قوة الألم الذي يصيبها.
بعد إنتهاء عشاء العمل عاد يحيي إلي بيته في ساعة متأخرة من الليل ليجد السكون يخيم على المكان من حوله أدرك بأن الجميع قد خلد إلي النوم فدلف إلي المغسل يأخذ حماما ساخنا لعله يصيبه ببعض من الإسترخاء ليستمع إلي أنين مكتوم صادر من غرفة غزل فأوصد المياه سريعا وإرتدي ملابسه سريعا و خرج من غرفته.
وقف أمام باب غرفتها يرهف السمع مرة أخري ليستمع إلي صوت بكاء خاڤت فطرق الباب بقلق ثم أدار مقبض الباب بغتة و دلف إلي الغرفة بقلق ليجدها منكمشه في فراشها تضم ركبتيها إلي قفص صدرها المغلق بأغلال الضجر و الكدر تعانق المنهمك براحة يديها و تذرف الدمعات بصمت.
هرع إليها مسرعا و إنحني بجزعه إلي مستوي وجهها وقال بلهفه مالك يا غزل! إيه اللي تاعبك
نظرت إليه بأعين باكيه و وجه شاحب و حمحمت تجلي حلقها ثم قالت مفيش.. شوية تعب بس و هيروحوا.
جلس إلي جوارها ثم قال شوية تعب إيه..أنا كنت شاكك إنك تعبانه من ساعة ما كنتي بتكلميني..قومي بسرعه نروح لدكتور.
هزت رأسها بنفي وقالت لا ملوش داعي أنا هاخد مسكن وهبقي كويسه.
_طب إيه اللي بيوجعك بالظبط!
أشارت إلي القسم العلوي الأيمن من بطنها وقالت هنا.
_دي المرارة! إنتي أول مرة تشتكي منها
أومأت بتأكيد ليقول طيب أنا هعمل لك حاجه دافيه تشربيها و نشوف لو الألم خف شويه تبقا نوبة بسيطه لو مخفش تبقا محتاجه تتشال بقا نروح لدكتور.
إتسعت عينيها بفزع وقالت تتشال! لأ طبعا.
قال ممازحا يستي متتفجعيش كده لو لزماكي أوي ممكن أتبرع لك بالمرارة بتاعتي ولا تغلي عليكي.
ضحكت من بين دمعاتها لينصرف سريعا و يصنع لها كوبا دافئا من الأعشاب ثم عاد إليها و ساعدها للجلوس على الفراش فإمتدت يداه خلف ظهرها و الأخري علي خصرها يساعدها في الإعتدال بمقعدها ثم نظر إليها وهو لا يزال ممسكا بخصرها بيده وقال مرتاحه كده! ولا تحبي تتعدلي
ناولها كوب الأعشاب وجلس إلي جانبها مجددا بينما بدأت هي تحتسيه بهدوء حتي فرغت منه ليقول مش حاسه إنك أحسن شويه
أومأت بموافقه دون أن تنطق ليقول هتبقي كويسه إن شاءالله.. إنتي أكلتي حاجه حارة
_لا أبدا.
يبقي أكيد نفسيتك تعبانه..بتفكري في حاجه! الإنفعالات الزياده هي السبب أكيد.
نظرت إليه مطولا ثم قالت لا أبدا.. أنا كويسه.
أومأ وقال طيب يلا حاولي تنامي وأنا هفضل جمبك.. لما تنامي هبقا أروح أوضتي.
أغمضت عينيها سريعا وغطت في النوم وهي تشعر لأول مرة بالأمان والطمأنينة لمجرد أنه يرقد إلي جانبها.
إنتظمت أنفاسها سريعا لينظر هو إليها مبتسما وقد علم بأنها راحت في النوم سريعا.
إعتدل في مرقده بجانبها و راح يتطلع نحوها
متفحصا ملامحها الهادئه الناعمه قبل أن تقترب منه وهي نائمه مما جعل قلبه يثور بشدة لينسحب من فراشها مسرعا ويعود إلي غرفته محاولا تجاهل تلك الإحساس الذي راوده قبل قليل ثم تدثر بفراشه و إستسلم إلي النوم.
الفصل التاسع عشر
كانت كعادتها تجلس برفقة نور و زياد قبل أن يرتفع رنين جرس الباب معلنا عن قدوم أحد ما فنهضت وهي تتسائل بينها و بين نفسها من القادم يا تري!
فتحت الباب لتنصدم ب يسر تقف أمام الباب و نظراتها تمتلئ بالتحفز و الترقب قبل أن تتحول إلي تجهم و حدة غاضبه وهي تقول هو إنتي لسه قاعدة معاهم وسعي!
قالت الأخيرة وهي تدفعها بصدرها للخلف و تدلف إلي الشقه فقالت غزل إيه اللي إنتي بتعمليه ده! جايه ليه يا يسر و عايزة إيه
نظرت إليها يسر بحنق و طالعتها سخريا وقالت أنا اللي جايه ليه و عايزة إيه! أما إنك بجحه بصحيح.. إنتي اللي قاعده هنا ليه و بترسمي علي إيه بالظبط يا غزل هانم!
نظرت إليها غزل پغضب و أعين متسعه ثم قالت برسم علي إيه بالظبط! هكون برسم علي إيه يا يسر
توقفت أمامها يسر و نظرت إليها بتحد وأضافت بلاش تعملي نفسك عبيطه.. أنا و إنتي عارفين كويس أوي اللي فيها.. إنتي طول عمرك بتحبي يحيي و عينك منه!
ألقت بكلماتها بغتة مما جعل غزل تحملق بها بدهشه قبل أن تكمل الأخري حديثها وتقول إيه قولت حاجه غلط أنا! من أيام بيت العيله و إنتي عينك علي يحيى في الرايحه و الجايه.. و كتير كنت بقول كده محدش كان مصدقني.. عنيكي كانت ڤضحاكي أوي بس محدش فهم نظراتك غيري.
نظرت إليها غزل بتحد مماثل وقالت خلصتي!
لم تجبها يسر فقالت أيوة طول عمري بحب يحيي و هفضل لآخر نفس فيا بحبه عندك مانع!
وقعت كلماتها علي أذن يحيي الذي كان يقف علي باب الشقه يستمع لجدالهما كالصاعقة و أرهف السمع إليهن بعدم تصديق.
إغتاظت يسر و عبست فقالت بصوت جهور يا بجاحتك.. و واخده عيالي حجه عشان تفضلي معاه طول اليوم مفكره إنه كده هيبصلك ولا يعبرك إنسي يا ماما...
همت غزل بالحديث لتتفاجأ بدخول يحيي المفاجئ وهو يتقدم منهما بخطوات ثابته متزنه و علي محياه إبتسامه ساخره ثم نظر إلي يسر وقال ده مين اللي فهمك كده!
نظرت إليه يسر بدهشة وقالت يحيي! أنا كنت آااا......
وقع الخبر علي مسامعها كالصاعقة.. مما أثار استياءها و دهشتها و ڠضبها و جميع مكنوناتها فإستطاعت بالكاد أن تنطق قائلة إتجوزتوا !
أومأ يحيي موافقا بإبتسامه ساخرة وقال عقبالك كده لما تلاقي إبن ال......حلال بس تبقي أجدع مننا و تعزمينا.
ألقي بكلماته اللاذعه التي أخرجتها عن صمتها لتقول پغضب شديد إتجوزت يا يحيي! بعد ده كله بتتجوز عليا! البت دي عرفت تخطفك مني زي ما طول عمرها بتتمني!
و أضافت أنا كنت عارفه من الأول إن قعادها معاك هنا وراه سبب في دماغها بتسعي ليه و يا تري بقا ضحكت عليك إزاي يا أستاذ يحيي ولا إيه اللي خلاك تتجوزها! أكيد رمت نفسها عليك عشان تدبسك فيها.....
لم تستأنف حديثها بل إزدردت بتوتر عندما هدر يحيي قائلا پغضب إخرسي خالص!
ثم نزع قبضته عن عنقها بحدة وقال