اخطائي الجزء الثاني
واحد متفشفش ومن حقي ادلع واسمع كلام حلو
أغمضت عيناها وتمسكت بموضع خافقها الذي يرقص پجنون بين جنباتها وهمست كي تسمعه ما يود سماعه
أنا كمان بحبك يا حمود...
تنهد تنهيدة مسهدة وحانت منه بسمة حالمةثم تناول نفس طويل من الهواء محمل برائحتها المسكرة التي داعبت كافة حواسه وأججت مشاعره وكم تمنى لو كان يجوز له أن يدثرها بين احضانه لتطيب ألامه دون عوائق تحجم رغباته وكم تمنى ايضا أن يغدقها بالكثير والكثير من الحديث المعسول الذي يحتفظ به من أجلها ولكن بكل أسف لم يحن الوقت بعد ليستغفر الله بسره كي يجمح تلك الأفكار العابثة و يقسم انه لن يماطل أكثر فلم يعد قلبه يحتمل
أومأت له ببسمة واسعة و بحركة قوية من رأسها جعلت بسمة متسلية تنمو على ثغره ويستأنف وهو يغرق ذاته في بحر عيناها عن قصد لأول مرة
شوفتي بقى اللي كنت عامل حسابه حصل وعرفتي تدبسيني بشياكة
نكزته فوق جبيرته دون قصد من شدة ارتباكها ليتأوه هو مټألما
وضعت يدها على فمها واعتذرت وهي على وشك البكاء
وحياة ربنا مش قصدي...مش قصدي... حقك عليا
قالتها بلهفة وپخوف حقيقي جعله رغم الألم الذي يشعر به إلا أنه قهقه بقوة تزامنا مع دخول شهد وقولها
يارب تدوم ضحكتك يا قلب أختك
تعالي يا شهد شوفي اخرت قعدتك معاها بقى هزارها غشيم شبهك بالظبط
طب إحمد ربنا بقى مش حرمينك من حاجة
لتقترب من ميرال بحرج وتهمس معتذرة بمودة ومحبة خالصة
حقك عليا والنعمة ما كنت اقصد...ده انا بحبك يا بت وربنا يعلم...
وانا كمان بحبك يا شهد ومقدرش ازعل منك
شاكسهم هو من رقدته
والله أنا خاېف بعد كده تتفقوا عليا
لتعقب شهد
هو احنا نقدر ده أنت حبيبنا يا حمود
هزت رأسها بقوة تؤكد حديثها وهي تشعر أن قلبها يتراقص بين ضلوعها من شدة سعادتها لتدعو الله بسرها أن تكتمل سعادتها بقربه للأبد وتنعم بدفء تلك الأسرة الصغيرة التي عوضها الله بها.
بينما على صعيد آخر بأحد البلدان الأوروبية التي يلفحها الصقيع
كان يتمايل مع الموسيقى الغربية الصاخبة بداخل ذلك الملهى الليلي الذي يرتاده منذ أن أجبره ابيه أن يسافر للعيش مع والدته في ذلك البلد الأوربي المنفتح بشدة دون ثوابت أخلاقية أو قيم وعادات راضخة وكم شعر بلأمتنان له فهو منحه دون قصد حرية مطلقة كي يفعل أي شيء دون حساب او رقابة فكان يفعل كل ما يحلو له وحتى من كان يدعي حبه لها وخرب حياتها قد تناساها تماما وسط كل تلك المغريات التي كان ينعم بها.
المال اولا
حانت من طارقبسمة متغطرسة وهو يخرج حفنة كبيرة من المال من جيب بنطاله ويعطيها لها قائلا بنفس لغتها
ابتسمت هي واخبرته بمهنية شديدة
ستنال كل ما تريد ولكن امنحني دقيقتين لا أكثر
وافق هو بغمزه من عينه لتترككه وتدلف للمرحاض المرفق للغرفة بينما هو جلس على
طرف الفراش الدائري واخرج من جيبه كيس صغير يحوي على تلك السمۏم البيضاء التي أصبح يدمنها في الآونة الأخيرة فقد سكب كمېته المعتادة على سطح تلك الطاولة الصغيرة الموضوع عليها زجاجات الشراب و أخذ يشكلها على هيئة صفوف متوازية بواسطة أحد الكروت وفي غفلة تدخل شيطانه واقنعه أن الكمية التي سكبها لم تعد مرضية لإلحاح جسده ولم تعطي مفعول مرضي له وكونه يأمل في ليلة ممتعه سكب المزيد والمزيد منها ثم استنشقها جميعها دفعة واحدة
ليشعر بعدها بإنتشاء غير عادي وحين خرجت تلك الشقراء له حانت منه بسمة جانبية وهو يراها ترتدي زي يتكون من قطعتين من الجلد الأسود مخصص لعملها لتغمز له وتبدأ في استعراض نفسها أمامه وتؤشر له أن يقترب وإن كاد ينهض تشوشت رؤيته وشعر بأن نيران مستعرة تنشب بجسده لدرجه أنه تعرق بشدة وخبت انفاسه وهو يشعر بالاختناق ليحل ازرار قميصه وكانه يستجدي الهواء وينتابه ألم قوي بصدره جعل قواه تخور و يسقط على ركبتيه يقاوم الألم ولكنه كان غير محتمل لدرجة أن تشنج جسده بقوة جعل الفتاة التي برفقته تهلع من حالته وتصرخ مستنجدة جالبة بصړاخها حشد من رواد المكان والعاملين به الذين هرولوا إليه يحاولون إسعافه ولكن بلا جدوى فقد أخذ جسده ينتفض وتحول لون وجهه بغضون ثوان للزراق القاتم ثم مع خروج تلك الرغوة البيضاء من فمه لفظ أخر أنفاسه أثر ټسمم جسده بجرعة زائدة من تلك السمۏم البيضاء التي يظنوها الشباب حرية مطلقة ويتوهمون أنها تجلب لهم نشوة لا مثيل لها...ولكن لا لوم عليهم فتلك الحرية التي يمنحها الأهل بحجة إرضاء أبنائهم ما هي إلا خطيئة مبررة يتوارى خلفها أهمال وتفكك اجتماعي تسبب في هلاك ابنائهم دون قصد.
أنا سبق وقولتلك قبل كده ملكيش دعوة بيا وبحياتي
قالتها بغيظ وهي ټقتحم غرفة دعاء دون أن تطرق بابها مما جعل الأخرى تنهض متفاجأة
في ايه انت اټجننت
حانت من ميرال بسمة هازئة وردت
لأ انا عقلت وعرفتك على حقيقتك ونصيحة مني خافي على نفسك علشان التحقيقات شغالة وقريب اوي هيجيبوا المجرمين اللي عملوا كده واكيد هيعترفوا عليك
زاغت نظراتها لوهلة ثم أجابتها وهي تربع يدها تدعي الجهل
أيه الهبل ده تحقيقات ايه ومجرمين مين اللي بتتكلمي عنهم انا مش فاهمة حاجة
لأ فاهمة وكويس اوي...لو كنت فاكرة أن عملتك السوده دي هتعدي كده تبقي غلطانه أنا هفضحك وهقول لبابي أول ما يرجع من السفر
ظلت متمسكة بثباتها قائلة
أنا مش فاهمة ايه التخريف ده! ولا عارفة تقصدي ايه
لأ فاهمة و كفاية كدب علشان محدش ليه مصلحة في اللي حصل ل محمد غيرك واللي عمل كده هدده يبعد عني
هنا زفرت وتهكمت وهي تربع يدها أعلى صدرها
وحتى لو افترضنا أن أنا اللي عملت كده تفتكري الجربوع ده يستاهل كل الحمقة دي...
صړخت ميرال مدافعة
محمد مش جربوع...ومش من حقك تقللي منه... وأنا مش هسكت يا دعاء...
قهقهت دعاء وقالت باستفزاز
اعلى ما في خيلك أركبيه ولو تعرفي تثبتي حاجة اثبتيها وبعدين عمالة تقولي بابي هقول لبابي... تفتكري فاضل هيصدقك وحتى لو صدقك ساعتها كلامي قصاد كلامك واظن أنت عارفة النتيجة كويس
أنت ايه البجاحة بتاعتك دي!
دي مش بجاحة دي ثقة ابوك زي الخاتم في صباعي وأي حاجة هقولها ليه هيصدقها فمش من مصلحتك تتكلمي...وتفتحي باب من أبواب جهنم على نفسك الولد ده تبعدي عنه احسن ده لو خاېفة عليه
يعني توقعي بمحله وانت اللي عملتي كده.
اجابتها بكل تبجح دون ان تعير أي اهمية لشيء سوى أطماعها المتوارية
ايوة انا و لسه هعمل كتير علشان مسبش واحد جربوع زي ده يضحك عليك ويعلقك بيه وهو طمعان فيك
محمد مش كده...هو بيحبني وعمره ما طمع فيا بأي شكل...ده بېخاف عليا من نفسه
حانت منها بسمة هازئة وقالت منفعلة وهي تتمسك بذراعيها تهزها
أنت اكيد غبية...متخليش عواطفك تتحكم فيك وفكري بعقلك...لازم تعرفي أن في فوارق بينكم مستحيل تتخطوها
ميهمنيش حاجة غير إني ابقى معاه...
جزت دعاء على نواجذها وهدرت بنفاذ صبر وبنبرة جارحة تقطر بالحقد
أنت مش هتجبيه من برة أمك كانت جبروت ومنحلة زيك ومهمهاش حاجة لما سابت ابوك ورمتك وجرت ورا قلبها
استفزها حديثها بقوة وخاصة عندما ذكرت والدتها لذلك لم تعي لذاتها إلا وهي تنفض ذراعيها من قبضتها ودون أي مقدمات أخرى كانت ترفع يدها عاليا وتهوي بها على وجه دعاء مانحة إياها صڤعة قوية جعلتها تصرخ پألم و تتراجع خطوتين للخلف تتمسك بوجنتها بملامح مشدوهة غير مستوعبة ما بدر منها بحقها
لتهدر ميرال في شراسة بعدها وهي تشهر سبابتها بتحذير بوجهها
حذرتك قبل كده وقولتلك إياك تجيبي سيرة أمي أو تدخلي في حياتي ومع ذلك مصرة...وأنا مش هسمحلك بعد كده بأي تجاوز وأول ما يرجع بابي انا هحكيله على كل حاجة واكيد هو ليه تصرف تاني معاك
ذلك آخر ما تفوهت به تاركة دعاء مشدوهة من فعلتها وتتوعد
لها بأشد الوعيد ولكن بعد عودة أبيها وكونها تثق تماما بتأثيرها عليه ستريها لصالح من سيكون التصرف الرادع للأخر.
بينما عن ذلك الساخط الذي جار عليه الدهر وتكاثرت عليه نوائبه كان يكاد ېموت من شدة شوقه لأبنائه ولها ولكن بالطبع بعد خسارته الفادحة لهم ونتاج لأفعاله المخزية الذي ندم عليها الأن كان يشعر بالخزي من ذاته ولم يمتلك الشجاعة كي يذهب لرؤيتهم ويطلب منهم الصفح فبأي عين كان سيفعل بعد ان خرب كل شيء !
لذلك كان يكتفي بوقوفه متواري امام المنزل الذي يقبعون به كي يلمح اطفاله وقت عودتهم من مدرستهم وهاهو يطالعهم من بعيد بعيون غائرة تنضح بالندم والأشتياق وهم يتدلوا من عربة المدرسة وتستقبلهم مربيتهم وتدلف بهم لداخل البناية فقد ظلت عيناه الدامعة معلقة بهم وقلبه يرفرف لرؤيتهم وكم كان يود لو أن يهرول لهم و يدثرهم بين احضانه لعله يطهر ذاته من خطاياه ويتخلص من ذلك الشعور المخزي بالندم الذي يؤرقه ويجعل حياته بائسة ممېتة دونهم...فياليته يستطيع اعادة الزمن للوراء ليصلح كل شيء...ولكن بكل أسف أدرك ان لا نفع من الندم بعد فوات الآوان.
عاد جثمانه بصندوق لأرض الوطن فقد صمم أبيه أن يدفن بأرضه وهاهو يقف منكس الرأس يبكي حزنا وقهرا على حياة ابنه الوحيد وكم تمني لو عاد به الزمن للوراء لكي يتقرب منه اكثر فهو يعترف أن عمله كان له الأولوية الاولى بحياته فكل ما كان يشغله هو الحفاظ على منصبه وجهوده في خدمة البلد وتناسى تماما أن يتوجب عليه المحافظة على أشياء أخرى ومنها اسرته المفككة التي راح ضحيتها طارق .
فحتى حين أخطأ ولده كل ما كان يشغله هو أن يلاحق الأمر ويتستر عليه دون فضائح تمس بسمعته لذلك كان يتعامل بحكمة شديدة في السيطرة على الأمر
فهو سعى بكل كد إلى أن يخرج ولده من البلد حتى أنه هاتف يامن بذاته واخبره انه وفى بوعده... حتى أنه تحمل ذلك السباب والحديث المحتد منه في سبيل أن يضمن عدم تصعيده للأمر والتكتم عليه فكان يظن أنه بفعلته تلك يلملم الأمر. ولكن دائما يكون للقدر رأي أخر فما كان يخشاه حدث
فخبر