الجمعة 29 نوفمبر 2024

مريم

انت في الصفحة 3 من 56 صفحات

موقع أيام نيوز

صدمة أقوى من التي قبلها حتى منحها أخيرا سببا لتكف عن عويلها و بكائها.. سحبت يدها برفق من قبضته و هذه المرة أفلتها
فرفعت رأسها و حدقت بقوة إلى عينيه و أعلنت 
صح. انت صح يا مراد.. إللي بينا ماكنش حب. لأن انت أصلا ماينفعش تتحب. و لا هاتعرف تحب !! 
و جاءت لتغادر بكل ڠضبها الدفين و انفعالها لكنه تحرك من جديد و منعها بالقوة 
قلت لك مش هاتمشي لوحدك يا إيمان.
سيطرت على نفسها بصعوبة حتى لا تصرخ فيه ثانية فغمغمت بحړقة 
إوعى يا مراد. شيل إيدك عني و سيبني بقى. عايز مني إيه تاني !!
لم يرخي قبضته عن معصميها بوصة واحدة و قال بصرامة 
هاوصلك.. أنا لسا لحد دلوقتي مش عارف إزاي خرجتي من بيتكوا في ساعة زي دي. مين سمح لك !!
لكنها لم تعطه ردا
فأخذها في يده يجرجر خطواتها حتى وصلا عند دراجته الڼارية السوداء ماركة هارلي ديفيدسون.. استقل فوق مقدمة القاعدة لم يعتمر الخوزة الواقية و ناولها إياها بلا تردد 
خدي إلبسي دي !
أخذتها منه لغرض واحد فقط حتى لا يتعرف عليها أحد و هي برفقته و خاصة في وضع كهذا ليست المرة الأولى التي تخرج معه على الدراجة فعلتها مرات عديدة في الخفاء و كانت أسعد لحظاتها.. أن تكون قريبة منه إلى الحد.. مجبرة على التشبث به و احتضانه بقوة
في قرارة نفسها كانت تستمتع و تتنعم بذلك كثيرا و تتمنى ألا ينفصلا أبدا تماما كما تفعل الآن لا تود أن ينتهي بهما الطريق 
لكن جاءت اللحظة أوقف مراد الموتور أمام بناية المنزل الخلفية بعيدا عن مرآى البواب و الجيران ...
استني هاوصلك للبوابة ! .. قالها مراد و هو يطفئ دراجته و يعلق الخوزة بمكانها
ردت بصوت جاف دون أن تنظر إليه 
مالوش لزوم أنا عارفة السكة.
و مشيت خطوتين فلحق بها و أمسك بكتفيها أدارها إليه صائحا من بين أسنانه 
إيمان ماتخرجنيش عن شعوري. انتي عايزة إيه يعني !!
حاول أن يحدق في عينيها عبر الظلام لكنها كانت تشيح عنه.. و فجأة تطلعت إليه
كانت تبكي في صمت و قد صډمته ...
مراد ! .. نطقت اسمه بلوعة
عشان خاطري.. ماتمشيش. خليك معايا هنا. كمل دراستك هنا. مش مهم تاخد الشهادة من برا. لو كان مهم أوي كده كان أدهم عملها و أهو دكتور.. عشان خاطري يا مراد ماتسبنيش و تمشي. أنا أموت منغيرك ...
كان هذا لا يطاق أن يراها في قمة الضعف و التذلل إليه تحولت مئة و ثمانون درجة بعد أن تظاهرت بالاعراض عن حبه و قررت أنه شخص لا يستحق الحب ها هي ټضرب بكلامها و كرامتها عرض الحائط
ها هي تتسول حبه !
رأت إيمان في عينيه صراعا و اضطرابا كان يعبس بشدة و يكز على فكيه كان كأنما يقبض على الجمر و لا يستطيع تركه 
إيمان !!!
و أطلق نهدة محملة بكم ضيقه و همه 
تعالي طيب !
و أمسك بيدها و مشيا سويا حتى بوابة المنزل لم يجد مراد رجل الحراسة في مكانه فقطب معلقا 
أمال فين عم راضي 
كفكفت إيمان دموعها بطرف كمها و جاوبته 
تيتة حليمة تعبت بعد العشا علطول. ماما ندهت له عشان يشيلها مع أدهم و يودوها المستشفى.
رفع مراد حاجبه 
عشان كده.. و أنا بقول إزاي خرجتي الساعة 10 بالليل. على كده محدش فوق يعني !
هزت رأسها نفيا 
عائشة بس. بتذاكر في أوضتها عشان وراها امتحان مهم بكرة.. ماما و أدهم هايبيتوا مع تيتة في المستشفى لحد ما نتيجة الفحوصات كلها تطلع الصبح.
تصرف بطبيعية و هو يشد على يدها قائلا 
طيب يلا هاطلع معاكي لحد فوق عشان أطمن عليكي.
اومأت له و قد لاحت طيف ابتسامة فوق ثغرها 
و بالفعل صعدا إلى شقة خالته و كانت الأضواء مقفلة مم يفسر خلود عائشة إلى فراشها بعد قضاء اليوم كله في التحصيل الدراسي 
الظاهر عائشة نامت ! .. دمدمت إيمان و هي تمد يدها لتكبس زر إشعال الضوء
أضاءت الصالة كلها و إلتفتت لتنظر إليه بدت عليه الغرابة الآن و هو يسألها 
و انتي بقى هاتعملي إيه دلوقتي !
هزت كتفيها 
هادخل أقعد في أوضتي لغاية ما يجيلي نوم !
رد بنصف ابتسامة.. تلك التي تزيده جاذبية 
تعرفي أمنيتي كانت إني أشوف أوضتك. ده طبعا كان مستحيل !!
ضحكت لابتسامته و قالت 
امم بس دلوقتي ممكن مش كده طيب هاحقق لك أمنيتك.. تعالى !
تلاشت ابتسامته و سألها غير مصدقا 
بجد !!
أكدت بجدية هامسة 
بس امشي بالراحة. اوعى تعمل صوت أحسن عائشة تصحى.
اومأ لها موافقا و قد اتقدت الحماسة بداخله أغلق باب الشقة أولا بهدوء و حرص شديدين ثم مشى وراءها على أطراف أصابعه وصولا إلى غرفتها أدخلته أولا ثم استدارت خطوتين نحو غرفة شقيقتها لتتفقدها فتحت الباب و ورابته قليلا أطلت برأسها فوجدت الغرفة غارقة في الظلام و عائشة نفسها تعزف لحن النوم الشهير خاصتها 
اطمأنت لذلك و عادت إليه ولجت إلى غرفتها و أغلقت الباب من خلفها كان هو يجول هنا و هناك مستكشفا بحماسة يفتش في أغراضها فوق مكتب الدراسة و بين الأركان و كومات الدمى و العرائس التي أوردها الكثير منهم ليشبع هوسها بهم فقد كان حريصا على ارضائها و اسعادها طوال فترة المواعدة 
وصل مراد عند الخزانة فتحها بلا تردد و أخذ يقلب فيها حتى رأته إيمان يعبث في درج الملابس هرعت إليه و حاولت إغلاق الخزانة كلها لكنه حجزها بقدمه 
إيه ده إيمي.. لطيف أوي البرا ده. ماكنتش أعرف إن ذوقك حلو في الحاجات دي.
حاولت إيمان أخذه من يده 
مراد ماتهزرش في الحاجات دي.. سيب يا مراد !
أمسكها مراد بيد و بالأخرى قرب القماش الناعم من أنفه و تمتم محدقا في عينيها الواسعتين سعة أعين الغزلان 
الله.. ريحتك فيهم يا إيمي ريحتك حلوة أوي !
أجفلت إيمان مرتبكة منه من كلماته من نظرته.. من قرب 
عثرت في عينيه على تلك الشعلة التي لطالما أوقدتها فيه .. عيناه الجميلتين إنهما مزيجا من الخضرة و الزرقة تتآلقان سواء النور أو حتى الظلام لا تستطيع مقاومتهما أبدا !!
ارتفعت يده و أزاحت الحجاب عن رأسها ليتحرر شعرها من عقاله و يحيط بوجهها كهالة سوداء فاحمة.. 
لأنها تحبه
فعلت كل شيء لأنها تحبه لم تفتح فمها و لم تعترض أبدا و كانت مدركة وخامة فعلتها 
رحل مراد 
رحل بعد الانتهاء من فعلته مباشرة رحل دون أن يقول كلمة أو حتى وداع
فنت و ذهب هو تاركا إياها مجللة بالخسائر
خسارة نفسها خسارة مبادئها و تربيتها القويمة و الأهم من كل هذا.. خسارة الميثاق الإلهي لقد ارتكبت الكبائر لا تصدق أنها وقعت بخطيئة كهذه
ما العمل الآن.. ماذا يتوجب عليها أن تفعل لتتطهر من ذاك الإثم 
لا يمكن أن ټموت قبل أن تكفر عنه
لا يمكن أن تلقى الله به لا يمكن !!!
استيقظت على صوت أمها في الصباح 
إيمان.. إصحي يا حبيبتي بقينا الضهر. إيه النوم ده كله !
باعدت إيمان بين جفنيها بصعوبة شعرت سلفا بشعاع الشمس النافذ عبر الستائر التي فتحتها أمها على مصراعيها فتحت عينيها الآن و قد ضايقتها حدة الضوء فغطت وجهها بكفيها 
جيتوا يا ماما !
من بدري يا حبيبتي بس لاقيتك نايمة ماحبتش اصحيكي.
تيتة عاملة إيه 
بقت أحسن الحمدلله. و التحاليل كلها تمام.. هي بس تقلت في العشا و الحلو إمبارح ف ده إللي تعبها.
كانت سترد عليها بتلقائية لولا أن ضړبتها ذكريات الليلة الماضية تزامن ذلك مع صياح أمها الهلوع 
إيه ده يا إيمان !!
انتفضت إيمان عندما شعرت بالملاءة تسحب من أسفلها و قامت نصف جالسة فورا تطلعت إلى أمها بتشوش خاڤت من تعبير أمينة المصډوم إذ حملت بين يديها ملاءة
أصل أنا نمت معدتي بتوجعني أوي إمبارح يا ماما ! .. قالت إيمان ما خطړ على بالها حالا فقط لتتخلص من هذ التعبير على وجه أمها
شكل الضيفة المزعجة دي جت !!
عبست أمينة بدهشة 
الله ! انتي مش لسا خالصة منها الاسبوع إللي فات.. لحقت !
حاولت إيمان إقناعها بشتى الطرق 
عادي يا ماما بتحصل. و حصلت قبل كده.. مش فاكرة 
سكتت أمينة و هي تمعن النظر بما تمسك ثم قالت بتعجب 
تقوم تيجي بالشكل ده..أعوذ بالله. لأ بصي طالما اتكررت كده نروح نكشف أحسن يكون عندك حاجة يابنتي !
رفضت إيمان في الحال و قد اعتراها التوتر الآن 
لأ يا أمي نكشف إيه.. أنا مابحبش الدكاترة و انتي عارفة. لأ مالهاش لازمة صدقيني.
إزاي مالهاش لازمة بس. دي حاجة مهمة أوي يا إيمان. لأ مش هطاوعك.
قامت إيمان من سريرها متجاهلة آلامها المپرحة و وقفت أمام أمها 
يا أمي يا حبيبتي صدقيني أنا. أنا حاسة إني كويسة.. و بعدين أنا بقولك معدتي وجعتني قبل ما أنام يعني ماكنتش عاملة حسابي.. بصي نعديها المرة دي. لو حصلت تاني

هانعمل إللي انتي عايزاه. خلاص 
اقتنعت الأم بعد عناء لم تقتنع في الحقيقة لكنها أذعنت فرادة ابنتها إذ تعلم كم إنها بالفعل تخشى الأطباء و المشافي منذ طفولتها لم تشأ ترويعها و فضلت الانتظار حتى الموعد التالي 
و مرت سنوات على رحيله
سنوات بعد الحاډث المخزي سنوات من الرفض غير المبرر لأفضل الرجال المتقدمون لخطبتها سنوات من الضغط عليها لمعرفة السبب
و هي لا تنطق قضت كل أيامها بعد تلك الليلة تائبة منيبة محاولة التكفير عن ذنبها تصلي و تصوم فوق المفروض عليها أضعافا مضاعفة.. لكنها لا تزال تشعر بأنه لم يغفر لها بعد لأنها لا تزال تتعذب
لا تزال لا تشعر بالراحة و السکينة !
حتى أتاها يوما ما و حاول معها 
إيه بقى يا أنسة إيمان.. هاتفضلي عايشة راهبة كده على فكرة الرجالة على قفا مين يشيل !
ألقى سيف دعابته ضاحكا ابتسمت مجاملة له و قالت 
لسا ماجاش يا سيف.
طيب ده مين أعمى النظر ده قوليلي بصراحة انتي حاطة عينك على حد !
لأ طبعا ! .. هتفت بحدة مفاجئة
لكنها عدلت عنها مسرعة و قالت و هي تباشر سقي مزروعات الشرفة 
قصدي مافيش حد. أنا من ساعة خلصت الثانوي قاعدة في البيت يا سيف.. هاشوف مين في البيت 
تنهد بحبور و قال 
طمنتيني يا شيخة.
نظرت له باستغراب فابتسم قائلا 
ماتبصليش كده.. بصي يا إيمان منغير لف و لا دوران. أنا بحبك. و انتي عارفة كده من زمان أنا حاطط عيني عليكي.. بس رفضك للعرسان كان مخاوفني أجي أفاتحك تقومي ترفضيني أنا كمان. لكن الحمدلله. طلع مافيش سبب معين 
حاول أن يقبض على نظراتها لكن كانت عيناها تائهتين تنظران في الفراغ و بدت فجأة و كأنها استسلمت لقدرها.. لا يمكن أن تهرب منه طوال عمرها 
قولتي إيه يا إيمان !
نظرت له ثانية 
قلت إيه في إيه 
قطب سيف

انت في الصفحة 3 من 56 صفحات